هل أتقاعد؟

قياسي

هل أتقاعد؟

الكثير ممن شارف على أبواب التقاعد المبكر يسأل هذا السؤال بينما جوابه عند الشخص نفسه صاحب الشأن ولايستطيع أن يجيبه أحد بنعم أو لا.

قرار التقاعد مصيري وينبغي أن يدرسه كل شخص حسب ظروفه من جميع النواحي المادية والصحية والعائلية والاجتماعية لكي يتخذ القرار المناسب عن قناعة ولايكون مجرد ردة فعل لموقف معين لأن ذلك قد يجعله لايشعر بالراحة ويتحسر على التسرع في اتخاذ القرار.

البعض يستمتع بالتقاعد ويشعر بالحرية التي لاتقدر بثمن ويشعر بأنه بدأ حياة جديدة من عمره ليحقق كل ماكان يصبو إليه. والبعض الآخر يتقاعد فقط لأنه رأى زملاءه قد تقاعدوا -يعني مع الخيل ياشقراء- مع اختلاف ظروفهم وعدم وجود رؤية واضحة له بعد التقاعد فيصاب بانتكاسة وكآبة ومرض ويسعى لتصليح الوضع بالبحث عن عمل جديد لعدم قدرته على التكيف مع التقاعد.

من الأشخاص الذين يكثرون تكرار هذا السؤال تختلف ظروفهم ولنسلط الضوء على خمس صور مختلفة:

موظف مكافح مثابر يعمل بشغف ومتعلق بعمله إلى أقصى درجة. ساعات العمل الثمان لاتكفيه ويقضي يوميا ثلاث ساعات إضافية أو أكثر من وقته الخاص ومن وقت عائلته. كل ذلك بدون مقابل يذكر وعلى حساب صحته وأهدافه الأخرى التي حرمت من التوازن ونيل نصيبها. إذا لم يتكيف ويتأقلم هذا الموظف مع حياة التقاعد الجديدة وتكون له رؤية واضحة فإنه سيفاجئ بمتسع من الوقت يحتاج لإدارته واستثماره جيدا لكي لايشعر بالملل والكآبة. وعليه أن يتنبه لذلك قبل أن يرمي الكرة ويقدم على التقاعد وعليه أن يضع له رؤية واضحة ويخطط ويرسم خارطة المستقبل في الأمور التي تساعده لملئ وقت الفراغ ويحاول التكيف بشكل تدريجي.

الصورة الثانية موظف عليه التزامات مادية كثيرة وقروض متراكمة. عندما يخرج هذا الموظف ويستمر في التسديد شهريا بحيث لايتبقى من راتبه مايغطي مصروفه الشهري وليس له مصادر دخل أخرى فعليه أن يفكرا جيدا قبل التقاعد.

الصورة الثالثة موظف يتقاضى دخلا عالياً وتردده بسبب خسارته لجزء كبير من مرتبه فتراه يمكث حتى الستين وإن حصل له التمديد فلامانع لديه بحيث أن راتبه لاينقص منه شئ حتى وإن خرج من عمله إلى قبره. هذا الموظف يحتاج إلى التحلي بالقناعة والرضا والايمان بأن السعادة ليست في المال فقط بل أنه قد لايلبث كثيرا بعد تقاعده حتى يوسد في قبره ولن يصطحب شيئا مما جمع معه في لحده. ومن ناحية أخرى خروجه فيه مصلحة للوطن والمواطنين  للتقليل من نسبة البطالة وفسح المجال للطاقات الشابة المليئة بالحيوية والنشاط للتجديد والإبداع.

الصورة الرابعة موظف يرأس عددا من الموظفين يتباهى بمنصبه يأمر هذا ويوجه ذاك وله وجاهة وسلطة وزعامة ومكانة ومميزات لايستطيع التخلي عنها بالتقاعد ليجلس في داره. وأحيانا كما قالها القائد الفذ رئيس أرامكو السابق الأستاذ عبدالله جمعه بأنك لاتجد من يحمل لك حقيبتك بعد أن كنت مخدوما محشوما بل لاتستغرب أن تراك زوجتك جالسا أمامها فتأمرك بالتسوق. لن يدوم الكرسي ولن يدوم البرستيج والتباهي وعلى هذا الموظف الاستعداد والتكيف مع الحياة الجديدة  لكي لاينصدم كثيرا.

الصورة الخامسة من يعمل في بيئة غير صحية وملوثة لايجد فيها إلا الضغط النفسي والاكتئاب من رئيسه أو الأنظمة التي تتبعها منظومة العمل أو نوعية العمل الذي يقوم به فعليه أن يوازن الأمور جيدا ويتخذ القرار المناسب من حيث البقاء أو الانصراف. بالحديث مع أحد المتقاعدين يقول بأن أكبر نعمة وفائدة من التقاعد أنه توقف عن أخذ علاج الضغط  بعد فترة وجيزة من تقاعده.

الصور كثيرة ولايمكن استعراضها كلها وكل موظف هو أعرف بظروفه ومصلحته لاتخاذ القرار الذي يناسبه. ويمكن أن يستفيد من المتقاعدين لمعرفة الأوجه المختلفة لاستثمار الوقت ليرسم له رؤية واضحة ويضع الأهداف والاستراتيجية التي تتوافق معها ليستمتع بالحياة الجديدة بعد التقاعد.

 

عبدالله الحجي

٢٠١٧/١٠/٢١

9 رأي حول “هل أتقاعد؟

  1. بندر بن محمد

    القناعة كنز لا يفنى
    من وصل عمر 50 يتقاعد اذا لا يوجد عليه التزامات
    فتم عمل دراسة من يتقاعد عند عمر 50 يجلس بصحة جيده لفترة طويلة مقارنه مع من يتقاعد عند عمر 55 او 60 عام
    مقال جميل بومحمد.

  2. محمد العبدالقادر

    مقال أكثر من رائع أخي عبدالله.. وقد أصبت كل الحقيقة في أن القرار الصائب هو في الإعتدال في طلب القناعة وما يناسب الحالة الشخصية… ولكن كما أخبرنا الشيبان: العدال (الإعتدال) صعب… شكراً جزيلاً

  3. شاكر سلمان النصير

    لقد غطيت معظم النقاط التي يجب على المتقاعد أخذها في الحسبان وهي كم ذكرت مهمة في حياة كل شخص مقبل على التقاعد ولو كل شخص طبق ماذكرت لجرت الأمور على مايرام بأذن الله كما هو يتمنى ..

  4. غير معروف

    الصورة الاسواء في إعتقادي هي ذاك الموظف الذي دائم السؤال ، لما يجب عليه فعله وهل حان وقت التقاعد وماذا سوف يفعل ولماذا لا ينتظر وليته يسائل مع ذاته بل كل من يلتقطه في طريقه ولا يملك ملكة مواجهة نفسه بل يسقط ظروف الآخرين على حياته ، تائه ومتردد ليس لديه هدف

  5. غير معروف

    الصورة الثانية هي حالتي
    وعليه فأنا أنتظر انتهاء القروض والالتزامات وبعدها سيتم التقاعد وإفساح الفرصة للشباب الواعد

  6. بو عبدالله

    كلام جميل عن التقاعد وكل موظف له حسبته الخاصه للتقاعد
    لكن في رايي المتواضع بان الموظف الذي خدم فيما لا يقل عن 30 سنه ووصل سن الخمسين عليه ان يكافئ نفسه على هذه السنين من الخدمه المتواصلة
    اما فيما يخص القروض فلن تجد موظف ليس لديه التزامات لدى البنوك حتى لو وصل سن السنين

  7. بديع بن عبدالله الحاجي محمد

    السلام عليكم
    نعم أنه سؤال يهزالوجدان من داخل الأعماق حيث يترك أثرغيرطبيعي في نفس المقدم على التقاعدسواء مبكّر أوغير ذالك شكراً لك لقد أصبت الهدف في ذالك تحياتي لك أبومحمد✋🏼🎩✋🏼🎩

  8. عبدالحكيم احمد

    التقاعد شي لابد منه في يوم من الايام.. والالتزامات الماليه لاتنتهي حتى مع التقاعد..وانصح الاخوه المتقاعدين باستغلال هذا الوقت لتعويض كل مافاته من امور دينيه.عائليه . اجتماعيه وصحيه وخصوصا ممارسة الرياضه بشكل عام للحفاظ على الصحه. شكرا ابا محمد على هذا الطرح

  9. عدنان احمد الصقر

    خالص الشكر والتقدير للمهندس عبدالله الحجي،،،،،
    مقال شامل لجميع الصور الذهنية للفئة المستهدفة،نصيحة؛ خطط لتحقق التقاعد السعيد (هو مرحلة جني الأثر لما مضى ومصدر تنمية والهام لمن حولك لتسعد بنجاحهم ويستمر العطاء المُتبادل الذي يوازن حياة البشر)
    عدنان الصقر

التعليقات مغلقة.