نحو حياة زوجية سعيدة

قياسي

نحو حياة زوجية سعيدة

لله الحمد تشهد أحساؤنا الحبيبة إقبالاً كبيراً على الزواج فلا تكاد تمر ليلة إلا وابتهجت بالعديد من الإحتفالات، ولكن في الجهة المقابلة نسبة الطلاق في ازدياد مستمر بسبب الخلافات الأسرية التي تنتهي إلى طريق مسدود وتشنجات وإصرار كل طرف على رأيه ينتهي بالانفصال. وفقاً لإحصائيات وزارة العدل في المملكة لآخر سنتين فإن نسبة الطلاق تجاوزت ٢٠٪ من إجمالي عقود الأنكحة وتختلف النسبة من منطقة إلى أخرى.

يعتقد البعض بأن الطلاق هو الحل الأنجع للتخلص من المشاكل ولكنه واقعا هو بداية دمار وهدم الأسرة، ضحيته الكبرى هم الأبناء الذين سيعيشون حالة من التشتت وعدم الاستقرار بسبب أنانية وسلبية الزوجين -أو أحدهما- وفشلهما في التوصل إلى حل يرضي الطرفين. الحياة الزوجية شراكة مبنية على المحبة والمودة والتعاون والإحترام والتقدير، والبحث عما يجلب السعادة، والبعد عما يثير الخلاف والجدال والتنافر.

الحياة الزوجية تحتاج لفهم كل طرف للطرف الآخر والخصائص المختلفة بينهما، والتحلي بالأخلاق الحميدة كالوفاء والبذل والتفاني والإخلاص والتضحية، وسعة الصدر لمعالجة القضايا بهدوء واحترام. من المهم أن يعرف كل طرف الحقوق الشرعية التي يجب عليه تلبيتها للطرف الآخر، مثل النفقة والمسكن والطاعة والفراش وغيرها كما هي موضحة في الكتب الخاصة، والرسائل العملية.

بل جميل أن يبذل كل طرف قصارى جهده لمعرفة ومراعاة الأمور الأخرى غير الواجبة والتي من شأنها كسب الطرف الآخر بالجميل وكسب حبه ورضاه فالحياة الزوجية لاينبغي أن تكون محكومة بالواجبات فقط. على سبيل المثال خدمات المنزل من كنس وطبخ وغسيل ملابس وتنظيف كلها أعمال تجهد الزوجة وتستغرق جل وقتها وهي ليست واجبة شرعا عليها،

ولكنها مستحبة وحتما سيكون لها تأثير إيجابي وستكون للزوجة مكانة في نفس الزوج لوقامت بها بطوعها واختيارها. فإن كانت غير واجبة عليها وقامت بها، فلماذا يغضب ويسخط الزوج لو قصرت في أدائها، أو لم يتوافق أداءها مع ذوقه ومزاجه؟! الطبخ والتنظيف ليس واجبا شرعا عليها… كذلك النزهة والسفر ليس واجبا على الزوج ولكنه حتما سيترك أثرا إيجابيا في نفس الزوجة لوكانت ظروف الزوج تمكنه من السفر معها وقضاء فترة استجمام لتغيير النفسيات وكسر الروتين وتجديد الطاقة.

“رفقاً بالقوارير“.. وصية الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) للرفق واللين في المعاملة مع الزوجة. الزوج لاينبغي أن يغضب ويبطش ويضرب ويظلم ويسئ الأدب والخلق مع أهله. وهنا يتعين على الزوجة أن تكون عونا له على ذلك بحسن تبعلها فكما قالت الإعرابية أمامة بنت الحارث ناصحة إبنتها ليلة زفافها “كوني له أمة يكن لك عبداً.” الواجب على الرجل المبيت مع الزوجة ليلة من أربع ليال وباقي الليالي يبيت فيها أينما شاء بمفرده أو مع زوجاته الأخريات. فإن كانت له زوجة واحدة فوجوده باقي الليالي الثلاث باختياره وإن لم يتواجد معها فلا يُعد ذلك تقصيرا منه في حقها ويمكنه أن يقضي ذلك الوقت كيفما شاء بلا تدخل في خصوصياته،

ولاعتاب ومراقبة ومحاسبة تنتهي بتوتر العلاقات وما لايُحمد عقباه. وإن جلس الزوج مع عياله فقد نال الخير الذي ورد عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): “جلوس المرء عند عياله أحب إلى اللَّه تعالى من اعتكاف في مسجدي هذا”. وهنا يتأكد دور الزوج في الموازنة بين الأهداف والأدوار المختلفة في حياته بلاتهميش لأولويات الأسرة، وتحمل وتقاسم المسؤوليات في تربية الأبناء تربية صالحة.

الحياة الزوجية ليست خالية من التحديات والمشاكل حيث أن كل طرف وُلد وعاش في بيئة مختلفة وتشكلت لديه قناعات وثقافات واهتمامات وقيم وعادات وتقاليد مختلفة عن الطرف الآخر. ولكن لاينبغي أن تأخذ هذه المشاكل أكثر من حجمها وتُسهم في تأزيم العلاقات وزرع الحقد والغل في القلوب، ولاأن يتم التنقيب عن مشاكل الماضي التي أكل عليها الدهر وشرب.بل يتطلب التنازل والتضحية والصبر والعفو والتسامح، وتعلم ثقافة الإعتذار المباشر وعدم المكابرة والتعالي لكي لايتوغل ذلك في النفوس وتزيد هوة الخلاف والتباعد والهجران مما يعقد الأمر لاحقا.

البحث عن الرغبات والميول والاهتمامات، والمصادر التي تدخل البهجة والسرور على كل طرف أمر ضروري وينبغي استثمارها جيدا للولوج إلى القلب بذكاء لزيادة الرصيد في البنك العاطفي. التبسم والتهادي بين الطرفين، وفن وسحر الكلمات، وتبادل عبارات الحب، والاهتمام بالمظهر والنظافة أمور لها وقعها في النفس فلا ينبغي تجاهلها من أي طرف مهما كانت الأسباب.

التغاضي وعدم التدقيق في صغائر الأمور وتضخيمها يزرع أرضية سمحاء للتفاهم والإحترام وسد كل باب يكون مدخلا للنكد وتأجيج المشاكل والخلافات بين الزوجين. فكلما اتسع أفق الزوجين وأتقنوا سياسة غض الطرف عن كل أمر من شأنه إثارة غضب واشمئزاز الطرف الآخر كان ذلك عاملا مهماً في وأد الخلافات وجلب السعادة.  عدم مراقبة الآخرين وقناعة كل طرف بالآخر وماقسمه الله له، والبعد عن المقارنة تريح القلب وتجعله مطمئنا لترفرف عليهما السعادة بجناحي المودة والرحمة.

فليكن كل طرف شاكرا لله جل وعلا على نعمه التي لاتحصى، فمابعد العسر إلا اليسر، ومابعد الضيق إلا الفرج.التعرف على الإختلافات في خصائص الزوج والزوجة من الأمور المهمة وأنصح بقراءة كتاب “الرجال من المريخ، النساء من الزهرة” للمؤلف د. جون غراي للتعرف على الكثير منها وتطبيق مايمكن تطبيقه. وكذلك حضور الدورات التدريبية قبل الزواج من قبل المتخصصين سيسهم في تحسين العلاقات وتقليل الخلافات. ولايُغفل الدور الكبير الذي تقوم به مراكز الاستشارات الأسرية.

وختاما المصلحة مشتركة بين الطرفين يتعرف فيها كل طرف على الآخر خلال فترة تعايشهما معا. ولايمكن أن تتحقق السعادة من قبل طرف واحد فقط، وإن حاول ذلك فيمكن أن يكون لفترة محدودة، وبعدها ستؤول مساعيه للفشل، وينتهي الأمر بالانفصال ومايتبعه من نتائج سلبية على الأبناء والمجتمع حين تنهدم الأسرة.         قال تعالى: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُو

 رابط المقال – صحيفة جواثا

رأي واحد حول “نحو حياة زوجية سعيدة

التعليقات مغلقة.